للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ وَالْمَوْجُودُ لَيْسَ إلَّا الْإِخْبَارُ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَمَرَهُ وَإِقْرَارِهِ أَنِّي عَبْدٌ، إذْ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فَيُجْعَلُ الْعَبْدُ بِالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ وَالضَّرَرِ، وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْآمِرُ بِهِ ضَامِنًا لِلسَّلَامَةِ كَمَا هُوَ مُوجِبُهُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى يَجُوزَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ،

لِلضَّرَرِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ (قَوْلُهُ: وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) إنَّمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ تَمْهِيدًا لِلْجَوَابِ عَنْ الرَّهْنِ وَاهْتِمَامًا بِبَيَانِ اخْتِصَاصِ مُوجِبِيَّةِ الْغُرُورِ لِلضَّمَانِ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا سَأَلَ غَيْرَهُ عَنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَقَالَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمَنُ فَسَلَكَهُ فَإِذَا فِيهِ لُصُوصٌ سَلَبُوا أَمْوَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُخْبِرُ شَيْئًا لِمَا أَنَّهُ غُرُورٌ فِيمَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَسْمُومٍ فَأَكَلَ فَمَاتَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لِكَوْنِهِ تَغْرِيرًا فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ وَلِهَذَا جَازَ الرَّهْنُ بِبَدَلَيْ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ.

وَإِذَا هَلَكَ يَقَعُ فِيهِ الِاسْتِيفَاءُ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَكَانَ اسْتِبْدَالًا بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً لَمْ يُجْعَلْ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ، ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى، وَالْعَبْدُ بَعْدَمَا قَالَ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْحُرِّيَّةَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ تَنَاقُضٌ وَالثَّانِي يَنْتَفِي بِهِ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ يَحْتَمِلُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَالْحُرِّيَّةُ بِعَتَاقٍ عَارِضٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>