عَلَى مَا مَرَّ.
امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ الْمَانِعُ وَهُوَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالْإِجَازَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ السَّبَبِ لِكَوْنِ الْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْأَرْشُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا حَدَثَ لِلْجَارِيَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ وَلَدٍ وَكَسْبٍ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَالِكُ الْمَبِيعَ أَخَذَ جَمِيعَ ذَلِكَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَقِيَ مُتَقَرِّرًا فِيهَا، وَالْكَسْبُ وَالْأَرْشُ وَالْوَلَدُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِمِلْكِ الْأَصْلِ.
وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَرْشَ وَإِنْ مَلَكَ الْمَضْمُونَ. وَبِالْفُضُولِيِّ إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ بَلَغَ الْخَبَرُ الزَّوْجَ فَأَجَازَ صَحَّ التَّفْوِيضُ دُونَ التَّطْلِيقِ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْمَالِكِيَّةُ لَهَا مِنْ حِينِ التَّفْوِيضِ حُكْمًا لِلْإِجَازَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَغْصُوبِ ثَبَتَ ضَرُورَةً عَلَى مَا عُرِفَ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِثُبُوتِهِ مِنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَرْشَ لِعَدَمِ حُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ تَوَقَّفَ حُكْمُهُ عَلَى شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَا سَبَبًا مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ السَّبَبِ إلَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ سَبَبًا مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ مُتَأَخِّرًا حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ.
فَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَالتَّفْوِيضِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ فَجُعِلَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُعَلَّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ وُجِدَ الْآنَ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَهَذِهِ أَيْ كَوْنُ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِ الْإِعْتَاقِ فِي الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ لِمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الْمِلْكِ لَمَا كَانَ لَهُ الْأَرْشُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْعُذْرُ: أَيْ الْجَوَابُ لَهُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ كَافٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رُدَّ رَقِيقًا فَإِنَّ الْأَرْشَ لِلْمَوْلَى، وَكَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُشْتَرِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ فَإِنَّ الْأَرْشَ لِلْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ: يَعْنِي لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقِيلَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ: يَعْنِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ وَهَذَا أَقْرَبُ، وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute