وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ، وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ (وَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ قَطْعُ الصَّرْمِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا. أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ إضْرَارًا بِالصَّانِعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَشْتَرِيهِ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِلنَّاسِ كَالثِّيَابِ لِعَدَمِ الْمُجَوَّزِ وَفِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَمْكَنَ إعْلَامُهُ بِالْوَصْفِ لِيُمْكِنَ التَّسْلِيمُ، وَإِنَّمَا قَالَ بِغَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ يَصِيرُ سَلَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ ضَرَبَهُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ يَصِيرُ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى قَضِيَّتِهِ وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ،
الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْعَيْنُ الْمُسْتَصْنَعُ، فَلِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ قُلْنَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَجْرَيْنَا فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَأَثْبَتْنَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَلَمْ نُوجِبْ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّبَّاغِ، فَإِنَّ فِي الصَّبْغِ الْعَمَلَ وَالْعَيْنَ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَذَلِكَ إجَارَةٌ مَحْضَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّبْغَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ آلَتُهُ فَكَانَ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْعَمَلَ وَذَلِكَ إجَارَةٌ وَرَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ فِي عَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَهَاهُنَا الْأَصْلُ هُوَ الْعَيْنُ الْمُسْتَصْنَعُ الْمَمْلُوكُ لِلصَّانِعِ فَيَكُونُ بَيْعًا، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ إلَّا بِالْعَمَلِ أَشْبَهَ الْإِجَارَةَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمُسْتَصْنَعُ (إلَّا بِاخْتِيَارِ) الْمُسْتَصْنِعِ (حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ كَوْنُهُ بَيْعًا لَا عِدَةً، وَكَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنَ دُونَ الْعَمَلِ، وَعَدَمُ تَعَيُّنِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
قَالَ (وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ إلَخْ) أَيْ الْمُسْتَصْنِعُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ بَائِعٌ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِ بَيْعًا لَا عِدَةً. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ قَطْعُ الصَّرْمِ وَإِتْلَافُ الْخَيْطِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا. أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ الصَّانِعَ أَتْلَفَ مَالَهُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ وَغَيْرِهِ لِيَصِلَ إلَى بَدَلِهِ، فَلَوْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ تَضَرَّرَ الصَّانِعُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَشْتَرِيهِ بِمِثْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاعِظَ إذَا اسْتَصْنَعَ مِنْبَرًا وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَالْعَامِّيُّ لَا يَشْتَرِيهِ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: الضَّرَرُ حَصَلَ بِرِضَاهُ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. أُجِيبَ بِجَوَازٍ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُسْتَصْنِعَ مَجْبُورٌ عَلَى الْقَبُولِ فَلَمَّا عَلِمَ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ رِضَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ لِجَهْلٍ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أُجِيبَ بِأَنَّ خِيَارَ الْمُسْتَصْنِعِ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَجِبْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute