للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ، وَجَوَازُ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْإِسْلَامِ عِلْمُ أَقْوَالِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِنَّمَا الْجَهْلُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي الْفَرَائِضِ الَّتِي لَا بُدَّ لِإِقَامَةِ الدِّينِ مِنْهَا لَا فِي حِيَازَةِ اجْتِهَادِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ بِحُرٍّ ثُمَّ بَلَغَتْ فَإِنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ سَكَتَتْ لِجَهْلِهَا بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِعُذْرٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي لَا بُدَّ لِإِقَامَةِ الدِّينِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِصْنَاعُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمْصَانِ إبْقَاءً لَهُ عَلَى الْقِيَاسِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْإِجْمَاعِ.

وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَجَلٍ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ سَلَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا.

وَأَمَّا إذَا ضُرِبَ الْأَجَلُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمُرَادُ بِضَرْبِ الْأَجَلِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ، أَمَّا الْمَذْكُورُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَا يُصَيِّرُهُ سَلَمًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ حِينَئِذٍ لِلْفَرَاغِ لَا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَيُحْكَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِعْجَالِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ سَلَمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الصَّانِعِ فَهُوَ سَلَمٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ، وَفِيمَا إذَا صَارَ سَلَمًا يُعْتَبَرُ شَرَائِطُ السَّلَمِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِصْنَاعِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ سَلَمًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَهُوَ مُمْكِنُ الْعَمَلِ، وَذِكْرُ الْأَجَلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ سَلَمًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُحَكَّمٍ فِيهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْجِيلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُحَكَّمُ وَالْمُحْتَمَلُ فَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ (بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَإِنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمِ) وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّفْظَ مُحَكَّمٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْأَجَلِ أَدْخَلَهُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِالْإِجْمَاعِ بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ (وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ فِي فِعْلِ الصَّحَابَةِ فِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ شُبْهَةٌ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ ثَابِتٌ بِآيَةِ الْمُدَايَنَةِ وَالسُّنَّةِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>