وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَانَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَلْعًا لَهُمْ عَنْ الِاقْتِنَاءِ
يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ سِوَى الْعَقُورِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مُلْحَقٌ بِهِ دَلَالَةً (وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ (فَكَانَ مَالًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ).
وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَنَافِعِ الْكَلْبِ لَا بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَالِيَّةِ عَيْنِهِ كَالْآدَمِيِّ يُنْتَفَعُ بِمَنَافِعِهِ بِالْإِجَارَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ. وَالثَّانِي أَنَّ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْأَسَاكِفَةُ وَلَيْسَ بِمَالٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَنْفَعَةِ الْكَلْبِ يَقَعُ تَبَعًا لِمِلْكِ الْعَيْنِ لَا قَصْدًا فِي الْمَنْفَعَةِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُورَثُ وَالْمَنْفَعَةُ وَحْدَهَا لَا تُورَثُ فَجَرَى مَجْرَى الِانْتِفَاعِ بِمَنَافِع الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَجَمِيعِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ شَرْعًا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي كُلِّ جُزْءٍ وَسَقَطَ التَّقَوُّمُ وَالْإِبَاحَةُ لِضَرُورَةِ الْخَرَزِ لَا تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْحُرْمَةِ فِيمَا عَدَاهَا كَإِبَاحَةِ لَحْمِهِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ الِانْتِفَاعُ ثَبَتَ فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ، بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالزَّنَابِيرِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ، وَتَقْرِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ نَهْيٍ اُنْتُسِخَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَلِفُوا اقْتِنَاءَ الْكِلَابِ، وَكَانَتْ تُؤْذِي الضِّيفَانَ وَالْغُرَبَاءَ فَنُهُوا عَنْ اقْتِنَائِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأُمِرُوا بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَنُهُوا عَنْ بَيْعِهَا تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ، ثُمَّ رُخِّصَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ثَمَنِ مَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ مِنْ الْكِلَابِ. فَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْحَدِيثُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَالثَّمَنُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute