قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ جَائِزٌ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ثَمَنٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ، فَإِذَا تَقَاصَّا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فَسْخَ
الدِّينَارِ تَبْلُغُ قِيمَةَ الدِّرْهَمِ وَلَا تَزِيدُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدِّينَارُ غَيْرَ الْمُصْطَلَحِ وَهُوَ مَا تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَالْحَقُّ أَنَّ السُّؤَالَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ لِلِاحْتِيَالِ لِسُقُوطِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِمَا إرَادَةُ الْمُبَادَلَةِ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ إرَادَةَ الْمُبَادَلَةِ بَيْنَ حَفْنَةٍ مِنْ زَبِيبٍ وَالْفِضَّةِ الزَّائِدَةِ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَخْ) مَسْأَلَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا بَيْعُ النَّقْدِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُقَارِنًا أَوْ لَاحِقًا، فَإِنْ كَانَ سَابِقًا وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهِ الْعَقْدَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِالْعَشَرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَسَقَطَتْ الْعَشَرَةُ عَنْ ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بَدَلًا عَنْ الدِّينَارِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ صَرْفٍ وَفِي الصَّرْفِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ.
وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ حَصَلَ الْأَمْنُ عَنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ، فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ كَانَ فِيهِ خَطَرُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي مَعْنَى التَّأَدِّي فَيَلْزَمُ الرِّبَا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ نَقْدٌ وَبَدَلُهُ وَهُوَ الْعَشَرَةُ سَقَطَ عَنْ بَائِعِ الدِّينَارِ حَيْثُ سَلَّمَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ خَطَرُ الْهَلَاكِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ الْآخَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا، وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَارِنًا بِأَنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ وَلَمْ يُضِفْ إلَى الْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَقَعَ الدِّينَارُ، فَإِمَّا أَنْ يَتَقَابَضَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ مَا لَمْ يَتَقَاصَّا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ ﵀؛ لِأَنَّهُ اُسْتُبْدِلَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ عَرَضًا.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ثَمَنٌ وَاجِبُ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِقَوْلِهِ ﵊ «يَدًا بِيَدٍ» وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الصَّرْفِ وَاجِبُ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنُ قَدْ سَبَقَ وُجُوبُهُ، لَكِنَّهُمَا إذَا أَقْدَمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ بِتَرَاضِيهِمَا لَا بُدَّ ثَمَّةَ مِنْ تَصْحِيحٍ وَلَا صِحَّةَ لَهَا مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ فَتُجْعَلُ الْمُقَاصَّةُ مُتَضَمِّنَةً لِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute