الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى الدَّيْنِ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَالْفَسْخُ قَدْ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَزُفَرُ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ،
عَلَيْهِ ضَرُورَةٌ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ كَانَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْفَسْخُ ثَابِتًا بِالِاقْتِضَاءِ، وَلَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فَسْخَ أَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ لَهُمَا تَغْيِيرُ وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ عَدَمَ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ لَوْ مَنَعَ الْمُقَاصَّةَ لَمَا وَقَعَتْ إذَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الدَّيْنِ السَّابِقِ. الثَّانِي أَنَّ الثَّابِتَ بِالِاقْتِضَاءِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْمُقْتَضِي، وَإِذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ الْمُقْتَضِي بَطَلَ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي قِيَامَ الْعَشَرَةِ الثَّابِتَةِ بِالْعَقْدِ وَقَدْ فَاتَ الْفَسْخُ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ فُسِخَ لِلْمُقَاصَّةِ وَجَبَ قَبْضُ الدِّينَارِ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لِإِقَالَةِ الصَّرْفِ حُكْمَ الصَّرْفِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ﵀ بِقَوْلِهِ (وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ) يَعْنِي الْمَعْهُودَ (تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ تَقْتَضِي قِيَامَ الْعَقْدِ وَهُوَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا أَبْطَلَا عَقْدَ الصَّرْفِ صَارَا كَأَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدًا جَدِيدًا فَتَصِحُّ الْمُقَاصَّةُ بِهِ.
وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ ضِمْنِيَّةٌ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُقَاصَّةِ فَجَازَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْإِقَالَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَزُفَرُ ﵀ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِالِاقْتِضَاءِ لَمْ يُوَافِقْهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ ﵀ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ «إنِّي أَكْرِي إبِلًا بِالْبَقِيعِ إلَى مَكَّةَ بِالدَّرَاهِمِ فَآخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ، أَوْ قَالَ بِالْعَكْسِ، فَقَالَ ﷺ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ» فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُقَاصَّةِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يُضِيفَانِ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ أَوْ إلَى مُطْلَقِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَاطِعًا حَتَّى يَلْتَزِمَهُ زُفَرُ وَإِنْ كَانَ لَاحِقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute