وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا. فَإِنْ كَانَ لَاحِقًا فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِتَضَمُّنِهِ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ وَقْتَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ فَكَفَى ذَلِكَ لِلْجَوَازِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ) وَالْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ. وَوَجْهُهُ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَمَا عُرِفَ مِنْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ
بِأَنْ اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدِّينَارَ ثُمَّ إنَّ مُشْتَرِيَ الدِّينَارِ بَاعَ ثَوْبًا مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَقَاصَّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَاخْتَارَهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ: لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَاحِقٌ، وَالنَّبِيُّ ﷺ جَوَّزَ الْمُقَاصَّةَ فِي دَيْنٍ سَابِقٍ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّ قَصْدَهُمَا الْمُقَاصَّةَ يَتَضَمَّنُ الِانْفِسَاخَ الْأَوَّلَ وَالْإِضَافَةُ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ وَقْتَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الدَّيْنُ حِينَئِذٍ سَابِقًا عَلَى الْمُقَاصَّةِ هَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَيْسَ بِدَافِعٍ كَمَا تَرَى إلَّا إذَا أُضِيفَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ، إلَّا أَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ بِالْأَثَرِ، وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ مِنْهُ سَوَاءٌ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ إذَا أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ السَّابِقِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا بِاللَّاحِقِ بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَكَانَ الدَّيْنُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَذَلِكَ خُلْفٌ؛ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ عَدَمُ كَوْنِهِمَا مُوجِبَيْ عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ السَّابِقِ تَجَانَسَا، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ مُقَارِنٍ عَدَمُ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا الْمُجَانَسَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الدَّيْنِ الْمُقَارِنِ وَهَذَا أَوْضَحُ.
قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ إلَخْ) الْغَلَّةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ هِيَ الْمُقَطَّعَةُ الَّتِي فِي الْقِطْعَةِ مِنْهَا قِيرَاطٌ أَوْ طُسُوجٌ أَوْ خَبَّةٌ فَيَرُدُّهَا بَيْتَ الْمَالِ لَا لِزِيَافَتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا قِطَعًا وَيَأْخُذُهَا التُّجَّارُ وَبَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ جَائِزٌ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ أَنْ تُصَوَّرَ هَاهُنَا فِي الْجَوْدَةِ وَهِيَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ دَرَاهِمُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ خِلْقَةً أَوْ عَادَةً؛ فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الرَّدِيءِ، وَالثَّانِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute