وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَالِ نَفْسِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَهَذَا يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِطَرِيقِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ الطَّالِبُ مَكَانَهُ فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَحَقُّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فِيهِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ: ﷺ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ») أَيْ الْكَفِيلُ ضَامِنٌ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهَا. لَا يُقَالُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ الْإِلْزَامُ؛ لِأَنَّهُ ﵊ حُكِمَ فِيهِ بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا الْغُرْمُ عَلَى الْكَفِيلِ. وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ يُنَبِّئُ عَنْ لُزُومِ مَا يَضُرُّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الْإِحْضَارُ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الْخَصْمُ كِفْلٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ) مَمْنُوعٌ فَإِنَّ قُدْرَةَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُعْلِمَ الطَّالِبَ مَكَانَهُ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ شَرْعًا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ) اسْتِظْهَارٌ بَعْدَ مَنْعِ الدَّلِيلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ لِمَا ذَكَرْنَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute