قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ بَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِخَطَرٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مَا عَلَيْهِ،
الْأُولَى سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ يَبْرَأُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ تَأْكِيدًا لِلْغَيْرِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَذَلِكَ خُلْفٌ بَاطِلٌ.
وَأَجَابَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ ﵀ فِي فَوَائِدِهِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ وُضِعَ لِفَسْخِ الْكَفَالَةِ وَالْمَوْتُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ، فَبِالْإِبْرَاءِ تَنْفَسِخُ الْكَفَالَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَبِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ ضَرُورَةَ عَجْزِ الْكَفِيلِ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ تَسْلِيمٌ يَقَعُ ذَرِيعَةً إلَى الْخِصَامِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا التَّسْلِيمِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَوْلِ بِانْفِسَاخِهَا فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ يَتَحَقَّقُ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ، وَلَا يَلْزَمُ ضَرُورَةَ التَّأْكِيدِ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ لَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ كَمَا كَانَ، فَإِنْ قِيلَ: إذَنْ يَتَضَرَّرُ الْكَفِيلُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. قُلْنَا: الِالْتِزَامُ مِنْهُ غَيْرُ مَدْفُوعٍ، وَقَدْ اُلْتُزِمَ حَيْثُ تُيُقِّنَ بِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ. فَإِنْ قِيلَ: تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ بِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَكَذَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. قُلْنَا: دَعْوَى مِنْهُ عَلَى خِلَافِ إطْلَاقِ لَفْظِهِ فِي إنْ لَمْ يُوَافِ فَلَا يُفِيدُهُ فِي إضْرَارِ غَيْرِهِ.
قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ إلَخْ) وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ وَبَيَّنَهَا بِأَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ هِنْدِيَّةٌ أَوْ مِصْرِيَّةٌ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَطَلَبَهُ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ الْكَفَالَةِ مِائَةً مَوْصُوفَةً بِصِفَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَلَا يَقْدِرُ الْمُدَّعِي عَلَى مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِالْكَفَالَةِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكَفِيلَ عَلَّقَ فِي كَفَالَتِهِ مَالًا مُطْلَقًا عَنْ النِّسْبَةِ حَيْثُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مَا عَلَيْهِ بِأَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَدًا، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ بَيَّنَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمَالَ الَّذِي هُوَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بَلْ الْتَزَمَ مَا الْتَزَمَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّشْوَةِ لِيَتْرُكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ وَإِنْ بَيَّنَ الْمَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ.
وَالثَّانِي أَنَّ الدَّعْوَى بِلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute