أَوْ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا غَابَ عَنْ الْبَلْدَةِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا، إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
وَهِيَ تُبْطِلُ الْكَفَالَةَ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الزَّعِيمَ حَقِيقَةً فِي الْكَفَالَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ فَكَانَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ الْمُنَادِي لِلْغَيْرِ: إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ بِذَلِكَ فَيَكُونُ ضَامِنًا عَنْ الْمِلْكِ لَا عَنْ نَفْسِهِ فَتَتَحَقَّقُ حَقِيقَةُ الْكَفَالَةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِي الْآيَةِ أَمْرَيْنِ: ذِكْرُ الْكَفَالَةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَإِضَافَتُهَا إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَعَدَمُ جَوَازِ أَحَدِهِمَا بِدَلِيلٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ الْآخَرِ.
فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَإِنَّ الْأُولَى لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ أَصْلًا، وَالثَّانِيَةُ تَمْنَعُهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُضَافَةً كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِمَا بَايَعْت أَحَدًا مِنْ النَّاسِ، وَالثَّالِثَةُ تَمْنَعُهُ مُطْلَقًا.؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأُولَى مَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى حِمْلُ بَعِيرٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَعِيرِ فَلَمْ تُمْنَعْ مُطْلَقًا، وَالثَّانِيَةُ إنَّمَا تَمْنَعُهُ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ لَا لِلْجَهَالَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ الْمُضَافَةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ، وَالتَّعَامُلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ مِنْهُ مَعْلُومًا فَالْمَجْهُولُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَالثَّالِثَةُ إنَّمَا تَمْنَعُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي حَقِّ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الطَّالِبِ، وَفِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَتَّى تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ كَمَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَصْلًا وَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الطَّالِبِ كَانَتْ جَهَالَةُ الطَّالِبِ مَانِعَةً جَوَازَهَا كَمَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُشْتَرِي مَانِعَةٌ مِنْ الْبَيْعِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَطْلُوبِ فَإِنَّ جَهَالَتَهُ لَا تَمْنَعُ كَمَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُعْتَقِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْعِتْقِ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِقَوْلِنَا عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَلًا) أَيْ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ كَذَا لَا يَصِحُّ جَعْلُهُمَا أَجَلًا لِلْكَفَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute