قَالَ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَإِنْ تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ تَصِحَّ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَضْمُونٍ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀، لَكِنْ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبِ، لَا بِمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ
تَرَى بَعْضَ الْمُتَهَتِّكِينَ يَعُودُونَ إلَى الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِقَامَةِ عَلَى النَّائِبِ هَذَا فِي الْحُدُودِ وَأَمَّا فِي الْقِصَاصِ فَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ قَطْعًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَصْلًا لَا مَحَالَةَ. وَالثَّانِي كَمَا فِي الْحَدِّ وَلَعَلَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ خِلَافٌ فِي جَرَيَانِهَا فِي الْعُقُوبَاتِ فَيَكُونُ التَّشْكِيكُ حِينَئِذٍ تَشْكِيكًا فِي الْمُسَلَّمَاتِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ.
قَالَ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ إلَخْ) الْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُهُ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ الْكَفَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَالْأَعْيَانِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِهَا تَنْقَسِمُ بِالْقِسْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ إلَى مَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُضْمَنُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَضْمُونٌ. ثُمَّ الْمَضْمُونُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا كُلِّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ بِذَوَاتِهَا أَوْ بِتَسْلِيمِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ فِيمَا يَكُونُ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا بِالْغَيْرِ، وَتَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀، فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ عَنْ الْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ لِلْمُشْتَرِي إنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ بَدَلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَلَا بِالْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ. وَتَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبِ. وَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَادَامَ قَائِمًا، وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مَضْمُونَةٌ بِعَيْنِهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ، وَمَا لَمْ تَجِبْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ ﵀ الْكَفَالَةَ بِالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مُوجِبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ مَحَلُّهَا الدُّيُونَ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهَا قُدْرَةُ الْكَفِيلِ عَلَى الْإِيفَاءِ مِنْ عِنْدِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الدُّيُونِ دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute