وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ.
الْوَصِيَّةِ لَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ فِيمَا إذَا دَلَّ لَفْظٌ بِظَاهِرِهِ عَلَى مَعْنًى وَإِذَا نَظَرَ فِي مَعْنَاهُ يَئُولُ إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ أَوْ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَرِيضَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ: أَيْ إلَى قِيَامِهِ مَقَامَهُ لِوُجُودِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ نَفْعِ الْمَرِيضِ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ بِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ مِنْ نَفْعِ الطَّالِبِ فَصَارَ كَأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ لِلْوَارِثِ تَكَفَّلْ عَنْ أَبِيك لِي. فَإِنْ قِيلَ: قِيَامُهُ مَقَامَ الطَّالِبِ وَحُضُورُهُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هَاهُنَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ) أَيْ الْمَرِيضُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي تَحْقِيقَ الْكَفَالَةِ لَا الْمُسَاوَمَةَ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ زَوَّجْت فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمَا زَوَّجْت وَقَبِلْت، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ صَرِيحُ الْقَبُولِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَتَمْثِيلُهُ بِالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ لَفْظٍ وَاحِدٍ مَقَامَهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَسْلَكَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَالَ (وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ) إذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَفَعَلَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ فَكَانَ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي حَقِّهِ سَوَاءً، وَلَوْ قَالَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِوَارِثِهِ لَمْ يَصِحَّ بِدُونِ قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَكَذَا الْمَرِيضُ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute