للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا النَّوَائِبُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأَجْرِ الْحَارِسِ وَالْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى وَغَيْرِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَمِمَّنْ يَمِيلُ إلَى الصِّحَّةِ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ، وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ غَيْرُ رَاتِبٍ وَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَّاهُ.

فِدَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَوَظَّفَ مَالًا عَلَى النَّاسِ لِذَلِكَ، وَالضَّمَانُ فِيهِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُوبِ أَدَائِهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْجَبَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فِيمَا يَجِبُ النَّظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا وَهِيَ الَّتِي يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ فِي زَمَانِنَا ظُلْمًا كَالْقَيْجَرِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ شُرِعَتْ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ شَرْعًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَاهُنَا شَرْعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ وَمِمَّنْ يَمِيلُ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ يُرِيدُ فَخْرَ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ مَالَ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَهِيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا دُيُونٌ فِي حُكْمٍ تَوَجَّهَ الْمُطَالَبَةُ بِهَا. وَالْعِبْرَةُ فِي الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِالْتِزَامِهَا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ وَالْعَدَالَةِ كَانَ مَأْجُورًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الَّذِي يَأْخُذُ بَاطِلًا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبُهُ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الرُّجُوعِ اسْتِحْسَانًا بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا عَنْ إكْرَاهٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ. أَمَّا قَوْلُهُ: وَقِسْمَتُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَقَعَ هَذَا الْحَرْفُ غَلَطًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ وَهَذَا الْفِعْلُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ وَالْمُرَادُ النَّصِيبُ. وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَقُولُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>