للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، أَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَنَوْعٌ مِنْهَا حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ، وَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ أَلْحَقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي وَالْفَرْقُ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ إقْنَاعِيًّا جَدَلِيًّا لِدَفْعِ الْخَصْمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَذَكَرَ الثَّانِي لِمَنْ لَهُ زِيَادَةُ اسْتِبْصَارٍ فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا مُنَاقَضَةَ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ) هُوَ الْفَرْقُ الثَّانِي، وَمَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ بِشَيْءٍ إلَّا بِشَرْطٍ كَانَ مِنْ عَوَارِضِهِ، وَمَا يَثْبُتُ لَهُ بِدُونِهِ كَانَ ذَاتِيًّا لَهُ وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّا لَوْ قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ عَارِضًا، وَالْأَجَلُ فِي الدُّيُونِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْبِيَاعَاتِ وَالْمُهُورِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ حَالَّةٌ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِيهَا إلَّا بِالشَّرْطِ وَفِي الْكَفَالَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مُؤَجَّلًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ فَكَانَ الْأَجَلُ ذَاتِيًّا لِبَعْضِ الْكَفَالَةِ مُنَوَّعًا لَهُ كَالنَّاطِقِ الْمُنَوَّعِ لِبَعْضِ الْحَيَوَانِ. وَهَذَا أَقْصَى مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفِقْهِ مِنْ الدِّقَّةِ فِي إظْهَارِ الْمَأْخَذِ وَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ فِي الدُّيُونِ عَارِضًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَهُ مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْكَفَالَةِ ذَاتِيًّا كَانَ إقْرَارُهُ بِنَوْعٍ مِنْهَا فَلَا يُحْكَمُ بِغَيْرِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَوَقَعَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ أَلْحَقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي، وَالْعَكْسُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا. فَمِنْ الشَّارِحِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>