قَالَ (فَإِنْ امْتَنَعَ حَبْسُهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ إذْ هُوَ لَا يَلْتَزِمُ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ مُعَجَّلُهُ دُونَ مُؤَجَّلِهِ. قَالَ (وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إذَا قَالَ إنِّي فَقِيرٌ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الْيَسَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ غِنَاهُ،
لِمَجِيءِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَحُضُورِهِ جِنَازَةَ بَعْضِ أَهْلِهِ وَمَوْتِ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ مَنْ يُكَفِّنُهُ وَيُغَسِّلُهُ،؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْمَيِّتِ تَصِيرُ مُقَامَةً بِغَيْرِهِ، وَفِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتُ حَقِّ الطَّالِبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ الْقِيَامُ بِحَقِّ الْوَالِدَيْنِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخُرُوجِ كَثِيرُ ضَرَرٍ لِلطَّالِبِ، وَإِنْ مَرِضَ وَلَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِالْمَرَضِ يَزْدَادُ الضَّجَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ أَخْرَجُوهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُمَرِّضُهُ رُبَّمَا يَمُوتُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَؤُهُمَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ قَضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ فَكَذَا شَهْوَةُ الْفَرْجِ. وَقِيلَ الْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الْحَوَائِجِ فَيَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ عِنْدَهُ.
قَالَ (فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا إلَخْ) فَإِنْ امْتَنَعَ الْغَرِيمُ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ حَبَسَهُ إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ غِنَاهُ وَفَقْرِهِ فَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَبُولِ دَعْوَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِهِ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ وَزَوَالُهُ عَنْ الْمِلْكِ مُحْتَمَلٌ وَالثَّابِتُ لَا يُتْرَكُ بِالْمُحْتَمَلِ، وَبِقَوْلِهِ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ إذْ هُوَ لَا يَلْتَزِمُ إلَّا بِمَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَكُنْ وَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ دَيْنًا مُطْلَقًا كَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ مُعَجَّلُهُ دُونَ مُؤَجَّلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَسْلِيمِ الْمُعَجَّلِ فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلًا عَلَى قُدْرَتِهِ.
قَالَ الْقُدُورِيُّ (وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) يَعْنِي ضَمَانَ الْغَصْبِ وَأَرْشَ الْجِنَايَاتِ (إذَا قَالَ إنِّي فَقِيرٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الْيَسَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا بِبَيِّنَةٍ فَيَحْبِسُهُ. وَرَوَى الْخَصَّافُ عَنْ أَصْحَابِنَا ﵏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute