قَوْلَ الْمُدَّعِي إنَّ لَهُ مَالًا، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ يَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَالْحَبْسُ لِظُهُورِ ظُلْمِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ مُدَّةً لِيَظْهَرَ مَالُهُ لَوْ كَانَ يُخْفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُدَّةُ لِيُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَقَدَّرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَيُرْوَى غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِيهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا؛.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ هُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِبْرَاءِ مَنْ لَهُ أَوْ بِإِيفَاءِ مَنْ عَلَيْهِ، وَكَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّ نَقْضًا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّيْنِ هُوَ الْمُطْلَقُ مِنْهُ إذْ بِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْخَلَاصُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا بِالْإِيفَاءِ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ جِيرَانَهُ وَأَهْلَ خِبْرَتِهِ عَنْ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ. أَمَّا الْحَبْسُ فَلِظُهُورِ ظُلْمِهِ بِالْمَطْلِ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا تَوْفِيَتُهُ فَلِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ مَالِهِ إنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ لِيُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَقُدِّرَ بِمَا ذُكِرَ، وَيُرْوَى غَيْرُ التَّقْدِيرِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ آجِلٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَهُوَ أَرْفَقُ الْأَقَاوِيلِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِيهِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَضْجَرُ فِي السِّجْنِ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَضْجَرُ كَثِيرَ ضَجَرٍ بِمِقْدَارِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي ضَجِرَ الْآخَرُ، فَإِنْ وَقَعَ فِي رَأْيِهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَضْجَرُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَيُظْهِرُ الْمَالَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَمْ يُظْهِرْ سَأَلَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ سَأَلَ عَنْهُ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عُسْرَتِهِ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْبَيِّنَةِ إلَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدِ، بَلْ إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ، وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَالَ مُنَازَعَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِعْسَارَ وَالطَّالِبُ الْيَسَارَ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ، وَإِنْ اسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبُ الطَّالِبَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مُعْدَمٌ حَلَّفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ أَطْلَقَهُ وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ الْحَبْسَ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا السُّؤَالُ مِنْ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الْمَدْيُونِ بَعْدَمَا حَبَسَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute