للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَا تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ . قَالَ فِي الْكِتَابِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي الْمُلَازَمَةِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ

احْتِيَاطٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ كَانَ أَحْوَطَ. قِيلَ مُحَمَّدٌ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَشْهَدُوا بِمِقْدَارِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي جِوَارَ السَّفِيهِ وَأَنْكَرَ مِلْكَهُ فِي الدَّارِ الَّتِي بِيَدِهِ فِي جَنْبِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ فَأَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ نَصِيبًا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ نَصِيبِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْيَسَارِ شَاهِدٌ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِمِلْكِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ قَدْرُ الْمِلْكِ لِكَوْنِ قَدْرِ الدَّيْنِ مَعْلُومًا فِي نَفْسِهِ. أَمَّا الشَّاهِدُ عَلَى النَّصِيبِ فَلَيْسَ بِشَاهِدٍ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.

قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي رَآهَا الْقَاضِي بِرَأْيِهِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي اخْتَارَهَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ خَلَّى سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ فَكَانَ الْحَبْسُ بَعْدَهُ ظُلْمًا. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ جَعَلَ قَوْلَهُ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ خَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُخَلِّيهِ مَا لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا فِي نُسَخِ أَدَبِ الْقَاضِي وَقَالُوا: وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ) بِأَنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ أَوْ اثْنَانِ أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدَمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَعَلَيْهَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَحْبِسُهُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَفِي أُخْرَى وَعَلَيْهَا عَامَّةُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَقَبْلَ الْحَبْسِ مَا تَأَيَّدَتْ، فَإِذَا حُبِسَ وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَقَدْ تَأَيَّدَتْ بِهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ مِنْ مَرَارَةِ الْحَبْسِ لَا يَتَحَمَّلُهَا (قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ وَهَذَا الْكَلَامُ) يَعْنِي الْمَنْعَ عَنْ مُلَازَمَةِ الْمَدْيُونِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحَبْسِ (فِي الْمُلَازَمَةِ) هَلْ لِلطَّالِبِ ذَلِكَ أَوْ لَا (وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>