إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَمُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً وَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ وَالْحَبْسُ أَوَّلًا وَمُدَّتُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فَلَا نُعِيدُهُ.
قَالَ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ (وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ عَلَى الْوَالِدِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ
بِسَبَبِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
(وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ) وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّ الْحَقَّ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَأْوِيلَهُ بِقَوْلِهِ (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ مُحَمَّدٍ (إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً قَبْلَ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَمَدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ الْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّأْوِيلُ (قَوْلُهُ: وَالْحَبْسُ أَوَّلًا) يَعْنِي أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْحَبْسِ أَوَّلًا وَمُدَّتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ فَيُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لَهَا فَلَا نُعِيدُهُ.
قَالَ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَخْ) إذَا فَرَضَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ أَوْ اصْطَلَحَا عَلَى مِقْدَارٍ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَرَفَعَتْ إلَى الْحَاكِمِ حَبَسَهُ لِظُهُورِ ظُلْمِهِ بِالِامْتِنَاعِ (وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ عَلَى وَالِدِهِ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا﴾ ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ (إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ وَلَدِهِ) وَفِي تَرْكِهِ سَعْيٌ فِي هَلَاكِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ الْوَالِدُ لِقَصْدِهِ إتْلَافَ مَالِ الْوَلَدِ (وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا) وَسَائِرُ الدُّيُونِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ فَافْتَرَقَا، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ حُبِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَا الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَكَذَا الدَّيْنُ مُكَاتَبَةً إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَالْمُكَاتَبُ فِي حَقِّ أَكْسَابِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَيُحْبَسُ الْمَوْلَى لِأَجْلِهِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ فَلَا يَكُونُ بِالْمَنْعِ ظَالِمًا وَيُحْبَسُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَعْجِيزِ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ عَنْهُ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute