للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ بِأَنْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ).

ذَلِكَ وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت كَانَ أَمْرًا لَهُ بِهِمَا فَكَانَا لَهُ، فَإِذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ لِرَجُلٍ جَعَلْتُك قَاضِيَ الْقُضَاةِ كَانَ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ وَالْعَزْلِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي الْقُضَاةِ تَقْلِيدًا وَعَزْلًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ تَوْكِيلًا وَإِيصَاءً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِ الْوِصَايَةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْوِصَايَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمُوصِي فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ رَاضِيًا بِاسْتِعَانَتِهِ بِغَيْرِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَقِيلَ الْقَاضِي يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْإِيصَاءَ وَلَا يَمْلِكُ التَّقْلِيدَ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي التَّقْلِيدِ يَجْرِي فِيهِمَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ فَيَكُونُ تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ.

قَالَ (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَخْ) إذَا تَقَدَّمَ رَجُلٌ إلَى قَاضٍ، وَقَالَ حَكَمَ عَلَيَّ فُلَانٌ الْقَاضِي بِكَذَا وَكَذَا نَفَّذَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَإِنَّهُ مُخَالِفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ أَوْ السُّنَّةِ: أَيْ الْمَشْهُورَةِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي التَّقْرِيرِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، أَوْ الْإِجْمَاعِ كَالْحُكْمِ بِبُطْلَانِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، أَوْ يَكُونُ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قِيلَ كَمَا إذَا مَضَى عَلَى الدَّيْنِ سُنُونَ فَحَكَمَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ عَمَّنْ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ شَرْعِيَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنْ يَكُونَ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ عَدَمُ تَنْفِيذِهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِسَبَبِ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ. وَفِيهِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفُقَهَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَاتَّفَقَ قَضَاؤُهُ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنَفِّذُهُ الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>