وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ هُوَ الصَّحِيحُ. .
الصَّلَاةِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ) أَيْ لَيْسَ الْقَضَاءُ كَالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِوَقْتٍ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ الْعُذْرِ، فَمَنْ أَذَّنَ بِالْجُمُعَةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ فَقَدْ رَضِيَ بِالِاسْتِخْلَافِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ (فَلَوْ) فَرَضْنَا أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ، وَ (قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي) عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ (فَأَجَازَهُ الْأَوَّلُ جَازَ) إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَضَاءِ (كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ وَتَصَرَّفَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجَازَهُ الْأَوَّلُ جَازَ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ) يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّ الْخَلِيفَةَ رَضِيَ بِقَضَاءٍ حَضَرَهُ رَأْيُ الْقَاضِي وَقْتَ نُفُوذِهِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي حَضَرَهُ الْقَاضِي أَوْ أَجَازَهُ قَضَاءٌ حَضَرَهُ رَأْيُ الْقَاضِي فَيَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، وَأَمَّا فِي الْوَكَالَةِ فَسَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، قِيلَ الْإِذْنُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ فَلِمَ اخْتَلَفَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ.
وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ قَضَاءٌ لَمْ يَحْضُرْهُ رَأْيُ الْقَاضِي وَكَانَ رِضَا الْخَلِيفَةِ بِتَوْلِيَةِ الْقَاضِي مُقَيَّدًا بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ) أَيْ إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ لِلْقَاضِي وَلِّ مَنْ شِئْت كَانَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ (فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَيَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ أَمْرًا لَهُ بِالتَّوْلِيَةِ، وَالْعَزْلُ خِلَافُهُ، وَإِذَا أَضَافَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute