قَالَ (وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: يَجُوزُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ فَظَهَرَ الْحَقُّ. وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا مُنَازَعَةَ دُونَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُوجَدْ،
الْحَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
قَالَ (وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَخْ) الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَهُ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا حَضَرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ غَابَ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَاسْتَتَرَ فِي الْبَلَدِ جَازَ، وَإِلَّا لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِتَارِ تَضْيِيعًا لِلْحُقُوقِ دُونَ غَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْقَضَاءِ بِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، فَإِذَا وُجِدَتْ ظَهَرَ الْحَقُّ فَيَحِلُّ لِلْقَاضِي الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا، وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُحْتَمَلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ حُجَّةً ضَرُورَةَ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَأَقَرَّ بِالْحَقِّ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَلَا مُنَازَعَةَ إلَّا بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنْ قَالَ قَدْ عَمِلْتُمْ بِالشَّهَادَةِ بِدُونِ الْإِنْكَارِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمُ وَسَكَتَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ مُنْكِرًا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَسْكُتَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ رَفْعًا لِظُلْمِهِ إنْ أَرَادَ بِسُكُوتِهِ تَوْقِيفَ حَالِ الْمُدَّعِي عَنْ سَمَاعِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْإِنْكَارُ مَوْجُودًا حُكْمًا، وَإِنْ قَالَ سَلَّمْنَا أَنْ لَا مُنَازَعَةَ إلَّا بِالْإِنْكَارِ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ ظَاهِرًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِقْرَارِ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ صَادِقٌ ظَاهِرُ الْوُجُودِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ الْكَذِبِ مِنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَهُوَ لَا يَتْرُكُ الْإِقْرَارَ لِعَقْلِهِ وَدِينِهِ أَيْضًا. وَإِنْ قَالَ لَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ كَانَ الْوَاجِبُ سَمَاعَ الْحُجَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْنَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ، وَسَيَأْتِي لَهُ جَوَابٌ آخَرُ.
وَإِنْ قَالَ وَقْفُ الْحُكْمِ عَلَى حُضُورِ الْخَصْمِ غَيْرُ مُفِيدٍ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَضَرَ فَأَقَرَّ لَزِمَتْ الدَّعْوَى وَإِنْ أَنْكَرَ فَكَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا لَا يَظْهَرُ بِهَا إلَّا بِالنِّزَاعِ وَبِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْعَنَ فِي الشُّهُودِ وَيُثْبِتَهُ أَوْ يُسَلِّمَ الدَّعْوَى وَيَدَّعِيَ الْأَدَاءَ وَيُثْبِتَهُ، أَوْ يُقِرَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ مُمْكِنٌ وَفِيهِ إبْطَالُهُ، وَصَوْنُ الْحُكْمِ عَنْ الْبُطْلَانِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute