للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِبَاحَةَ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِرِضَاهُمَا قَالُوا: وَتَخْصِيصُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ، وَيُقَالُ يُحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْمُوَلَّى دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ

وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يَرُدَّهُ.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَخْ) لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِاسْتِيفَائِهَا، وَأَمَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ التَّحْكِيمُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ جَائِزٌ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ صُلْحِ الْأَصْلِ أَنَّ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إلَيْهِمَا وَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ التَّحْكِيمَ لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِبَاحَةَ، وَهُوَ دَلِيلُ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ الْحُدُودِ. وَقَالُوا فِي ذَلِكَ:؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحَكِّمِينَ فَكَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ لَا تُسْتَوْفَى بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى أَشْمَلُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا) أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا (وَتَخْصِيصُ الْقُدُورِيِّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ) كَالْكِنَايَاتِ فِي جَعْلِهَا رَجْعِيَّةً وَالطَّلَاقِ الْمُضَافِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَهُوَ صَحِيحٌ) لَكِنَّ الْمَشَايِخَ امْتَنَعُوا عَنْ الْفَتْوَى بِذَلِكَ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ تُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ الْأُسْتَاذَ أَبَا عَلِيٍّ النَّسَفِيَّ كَانَ يَقُولُ: يُكْتَمُ هَذَا الْفَصْلُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقَ الْجُهَّالُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤَدِّيَ إلَى هَدْمِ مَذْهَبِنَا.

وَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي صُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَحُكْمُ الْحَكَمِ لَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَكِّمِينَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي رَدَّهُ الْقَاضِي وَيَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>