وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ.
قَالَ (ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا النَّسَبُ وَالْحَلْيُ وَالْمُصَلَّى وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ) كُلُّ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يُقْصَدَ (وَفِي الْعَلَانِيَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ) لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ.
لَقَالَ بِقَوْلِهِمَا. وَلِهَذَا قَالَ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ)
قَالَ (ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّزْكِيَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ تَزْكِيَةٌ فِي السِّرِّ وَتَزْكِيَةٌ فِي الْعَلَانِيَةِ. فَالْأُولَى (أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي الْمَسْتُورَةَ) وَهِيَ الرُّقْعَةُ الَّتِي يَكْتُبُهَا الْقَاضِي وَيَبْعَثُهَا سِرًّا بِيَدِ أَمِينِهِ إلَى الْمُزَكِّي سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَرُ عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ (إلَى الْمُعَدِّلِ) مَكْتُوبًا (فِيهَا النَّسَبُ وَالْحُلَى) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ حِلْيَةِ الْإِنْسَانِ صِفَتُهُ وَمَا يُرَى مِنْهُ مِنْ لَوْنٍ وَغَيْرِهِ (وَالْمُصَلَّى) أَيْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ حَتَّى يَعْرِفَهُ الْمُعَدِّلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ وَصَاحِبِ خِبْرَةٍ بِالنَّاسِ بِالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ طَمَّاعًا وَلَا فَقِيرًا يُتَوَهَّمُ خِدَاعُهُ بِالْمَالِ، وَفَقِيهًا يَعْرِفُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ، فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَيْهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ، وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ، أَوْ يَقُولُ: اللَّهُ يَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ أَوْ فِسْقٍ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ إلَى الْحَاكِمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يَقْصِدَ الْخِدَاعَ.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هَذَا الَّذِي عَدَّلْته يُشِيرُ إلَى الشَّاهِدِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الشَّخْصَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ؛ وَقَدْ كَانَتْ التَّزْكِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ وَحْدَهَا فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ ﵃؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا صُلَحَاءَ وَالْمُعَدِّلُ مَا كَانَ يَتَوَقَّى عَنْ الْجَرْحِ لِعَدَمِ مُقَابَلَتِهِمْ الْجَارِحَ بِالْأَذَى (وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا)؛ لِأَنَّ الْعَلَانِيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute