للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ هَذِهِ كَبِيرَةٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إلَى الْعِبَادِ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ. وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ، وَلِأَنَّ الِانْزِجَارَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ فَيَكْتَفِي بِهِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالتَّسْخِيمِ

الضَّرْبِ مَشْرُوعٌ فِي تَعْزِيرِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى السِّيَاسَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ هَذِهِ) أَيْ شَهَادَةَ الزُّورِ (كَبِيرَةٌ) ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْت لَا يَسْكُتُ» (وَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إلَى الْعِبَادِ) بِإِتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ (وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزِّرُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ) وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرَةٌ، وَمَا كَانَ يَخْفَى مَا يَعْمَلُهُ عَلَيْهِمْ وَسَكَتُوا عَنْهُ فَكَانَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْهُمَا وَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ فَيُكْتَفَى بِهِ. وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ مَانِعًا مِنْ الرُّجُوعِ) فَإِنَّهُ إذَا تَصَوَّرَ الضَّرْبَ يَخَافُ فَلَا يَرْجِعُ وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْحُقُوقِ (فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَذَلِكَ بِتَرْكِ الضَّرْبِ (وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ : «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ».

(وَ) بِدَلَالَةِ (التَّسْخِيمِ) هَذَا تَأْوِيلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَأَوَّلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْخِيمِ التَّخْجِيلُ بِالتَّفْضِيحِ وَالتَّشْهِيرِ، فَإِنَّ الْخَجِلَ يُسَمَّى مُسْوَدًّا مَجَازًا، قَالَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>