ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّشْهِيرِ مَنْقُولٌ عَنْ شُرَيْحٍ ﵀، فَإِنَّهُ كَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا، وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا، وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ﵀ أَنَّهُ يُشَهَّرُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا.
وَالتَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا، وَكَيْفِيَّةُ التَّعْزِيرِ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَعَالَى ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ (وَتَفْسِيرُ التَّشْهِيرِ مَا نُقِلَ عَنْ شُرَيْحٍ ﵀ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ إلَى سُوقِهِ، إنْ كَانَ سُوقِيًّا، أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَكُنْ سُوقِيًّا بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا) أَيْ مُجْتَمَعِينَ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ أَكْثَرَ جَمْعًا لِلْقَوْمِ (وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْضًا يُشَهَّرُ، وَالْحَبْسُ وَالتَّعْزِيرُ مِقْدَارُهُ مُفَوَّضٌ إلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَنْ كَانَ تَائِبًا أَوْ مُصِرًّا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ. وَقَدْ قِيلَ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ لَا يُعَزَّرُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي قُلْنَا. ثُمَّ إنَّهُ إذَا تَابَ هَلْ تَقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ إنْ كَانَ فَاسِقًا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى الزُّورِ فِسْقُهُ وَقَدْ زَالَ بِالتَّوْبَةِ، وَمُدَّةُ ظُهُورِ التَّوْبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ سَنَةٌ. قَالُوا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ أَصْلًا، وَكَذَا إنْ كَانَ عَدْلًا عَلَى رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءً، وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ. قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) وَذَكَرَ أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ رِوَايَتِهِ هِيَ مَعْرِفَةُ شَاهِدِ الزُّورِ بِأَنَّهُ الَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الَّذِي شَهِدَ بِقَتْلِ شَخْصٍ وَظَهَرَ حَيًّا أَوْ بِمَوْتِهِ وَكَانَ حَيًّا إمَّا لِنُدْرَتِهِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْت أَوْ ظَنَنْت ذَلِكَ أَوْ سَمِعْت ذَلِكَ فَشَهِدَتْ وَهُمَا بِمَعْنَى كَذَبْت لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute