سَبَّبَ الضَّمَانَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَقَدْ سَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ. قُلْنَا: تَعَذَّرَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ كَالْمَلْجَإِ إلَى الْقَضَاءِ، وَفِي إيجَابِهِ صَرْفُ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِهِ وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسْبِيبُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ
وَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ هُوَ الْقَاضِي، وَإِضَافَةُ الضَّمَانِ إلَيْهِ مُتَعَذِّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَالْمُلْجَإِ إلَى الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ يَفْسُقُ وَلَيْسَ بِمُلْجَإٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ حَقِيقَةً مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْقَاضِي لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ صَرْفَ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَامٌّ فَيُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِأَجْلِهِ، وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ لِمَا تَقَدَّمَ فَاعْتُبِرَ السَّبَبُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ كُلٍّ مِنْكُمْ وَمِنْ الشَّافِعِيِّ تَرَكَ أَصْلَهُ الْمَعْهُودَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ ثُمَّ الرُّجُوعِ، فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا فِي مَالِهِمَا عِنْدَكُمْ، وَمَا جَعَلْتُمْ كَالْمُبَاشِرِ حَتَّى يَجِبُ الْقِصَاصُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، جَعَلَ الْمُسَبَّبَ كَالْمُبَاشِرِ. قُلْنَا: فِعْلُ الْمُبَاشِرِ الِاخْتِيَارِيُّ قَطَعَ النِّسْبَةَ أَوْ صَارَ شُبْهَةً كَمَا سَيَجِيءُ، وَالشَّافِعِيُّ جَعَلَهُ مُبَاشِرًا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ فِي شَاهِدَيْ السَّرِقَةِ إذَا رَجَعَا: لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهِ ﵁ أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، وَجَازَ أَنْ يُهَدِّدَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا قَالَ عُمَرُ ﵁: وَلَوْ تَقَدَّمْت فِي الْمُتْعَةِ لَرُجِمْت، وَالْمُتْعَةُ لَا تُوجِبُ الرَّجْمَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ: يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي مَا قُضِيَ لَهُ بِهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْإِتْلَافِ، وَالْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ بِالْقَبْضِ، وَفِي ذَلِكَ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أُلْزِمَا دَيْنًا بِشَهَادَتِهِمَا، فَلَوْ ضَمِنَا قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُمَا عَيْنًا بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ أَوْجَبَا وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا. وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامَ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute