إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ، لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ)
الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَلِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ، وَإِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَالشَّاهِدَانِ بِشَهَادَتِهِمَا أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِهِ إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهَا، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِزَالَةُ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِمَا بِأَخْذِ الضَّمَانِ لَا تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ، وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَبِإِزَالَةِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ ثَبَتَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْقَضَاءِ وَلَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَيْنِ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
قَالَ (وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ إلَخْ) الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَقِّ فِي الْحَقِيقَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَمَا زَادَ فَهُوَ فَضْلٌ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ، إلَّا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الِاثْنَيْنِ يُضَافُ الْقَضَاءُ وَوُجُوبُ الْحَقِّ إلَى الْكُلِّ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ.
وَإِذَا رَجَعَ وَاحِدٌ زَالَ الِاسْتِوَاءُ وَظَهَرَ إضَافَةُ الْقَضَاءِ إلَى الْمُثَنَّى وَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ بِشَهَادَةِ مَنْ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ. قِيلَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ فَرْدٌ لَا يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَصْلُحَ فِي الْبَقَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute