لِأَنَّ التَّسْبِيبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَهَاهُنَا لَا يُفْضِي لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ مِمَّا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ، ثُمَّ لَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقِصَاصِ
يَكُونَ إيمَاءً إلَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْقَتْلِ وَهُوَ الْوَلِيُّ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَهُوَ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ، وَكَذَا تَسْبِيبًا؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ إلَى الشَّيْءِ هُوَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ظُهُورُ إيثَارِ حَيَاتِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرْعًا أَوْ طَبْعًا، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْدُوبٌ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ مُعَارَضٌ بِطَبْعِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ يُؤْثِرُ التَّشَفِّيَ بِالْقِصَاصِ ظَاهِرًا وَلِهَذَا تَنَزَّلَ فَقَالَ (وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ ثَمَّةَ تَسْبِيبًا، وَلَكِنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يَقْطَعُ نِسْبَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفِعْلُ هَاهُنَا وَهُوَ الْقَتْلُ وُجِدَ مِنْ الْوَلِيِّ بِاخْتِيَارِهِ الصَّحِيحِ فَقَطَعَ نِسْبَتَهُ إلَى الشُّهُودِ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ نِسْبَتَهُ إلَى الشُّهُودِ لَكِنْ لَا أَقَلَّ أَنْ يُورِثَ شُبْهَةً يَنْدَرِئُ بِهَا الْقِصَاصُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَا تَدْفَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute