يَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ أَيْضًا) وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ﵏، وَقِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي غَيْبَتِهِ
الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا وَلَمْ يُشْعِرْ بِهِ الْوَكِيلَ، بَلْ الظَّاهِرُ هُوَ الْعَفْوُ لِلنَّدَبِ الشَّرْعِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، يَقُولُ هُوَ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى بِالتَّوْكِيلِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ.
قُلْنَا: سَائِرُ حُقُوقِهِ لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ: يَعْنِي يَسْتَوْفِي الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّهِ الرُّجُوعُ وَالظَّاهِرُ فِي حَقِّهِ عَدَمُ الرُّجُوعِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الصِّدْقُ لَا سِيَّمَا فِي الْعُدُولِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ: أَيْ شُبْهَةِ الْعَفْوِ فَإِنَّهُ فِي حُضُورِهِ مِمَّا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيفَاءِ إذْ هُوَ يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ: يَعْنِي لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ حُضُورِهِ اسْتِحْسَانًا لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا وَاسْتَثْنَى إيفَاءَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءَهُمَا فَبَقِيَ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فَقَالَ (هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ ﵀ مُضْطَرِبٌ. وَقِيلَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا) أَمَّا إذَا حَضَرَ فَلَا اخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ حُضُورِهِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ وَالْإِنَابَةُ فِيهَا شُبْهَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا الْبَابُ مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute