(وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُدَّعِي،
مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ بِالْحَوَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ إثْبَاتُ إقْرَارِ نَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ. وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْحَافِظَةِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُدَّعِي لَا لِإِثْبَاتِ الْإِقْرَارِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَدْفَعُ مَا أَخَذَ مِنْ النَّاسِ سِرًّا إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ عَلَانِيَةً فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِهِ لَا يَقْبَلُهَا، وَأَمَّا وَجْهُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ قَامَتْ بِمَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا.
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْمُودَعُ هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُوهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ إلَى آخِرِهِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَجْهِ لَيْسَتْ بِمَعْرِفَةٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَتَعْرِفُ فُلَانًا؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ بَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَيْثُ عَرَفَ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ لِلْعِلْمِ بِيَقِينٍ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُودَعَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذًا الشَّهَادَةُ تُفِيدُ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ الْخُصُومَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ وَلَيْسَ عَلَى ذِي الْيَدِ تَعْرِيفُ خَصْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute