وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْوَجْهِ الثَّانِي، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَيْثُ عَرَفَهُ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ أَضَرَّهُ شُهُودُهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ.
(وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ)
الْمُدَّعِي تَعْرِيفًا تَامًّا إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَقَدْ أَثْبَتَ (قَوْلُهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوْ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ لَتَضَرَّرَ الْمُدَّعِي.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالْمُدَّعِي إنَّمَا لَحِقَهُ مِنْ نَفْسِهِ (حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ) أَوْ مِنْ جِهَةِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَذُو الْيَدِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِظَاهِرِ الْيَدِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَتَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِالْحُجَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَالدَّعْوَى تَقَعُ فِي الدَّيْنِ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي بِذِمَّتِهِ وَبِمَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ.
قَالَ (إنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ إلَخْ) وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْت هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي أَوْ سَرَقْته مِنِّي وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَفِعْلُهُ لَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute