للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّيَلَانُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ «الْقَلَسُ حَدَثٌ». وَلَنَا قَوْلُهُ «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا» وَقَوْلُ عَلِيٍّ حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الْفَمَ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ قَدْ بَيَّنَّاهُ.

وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلَأُ الْفَمَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ،

أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَهُوَ قِيَاسٌ ظَاهِرٌ، وَلِقَوْلِهِ «الْقَلْسُ حَدَثٌ» رَوَاهُ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ آبَائِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذُكِرَ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: الْقَلْسُ مَا خَرَجَ مِنْ الْفَمِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ لَا نِزَاعَ لَهُ فِيهَا فَكَانَ أَقْطَعَ فِي الْإِلْزَامِ. وَلَنَا قَوْلُهُ: «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا» أَيْ لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ بِالْقُوَّةِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ، لَكِنْ إذَا سَالَ الدَّمُ فَفِيهِ الْوُضُوءُ.

وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ: لَا وُضُوءَ فِي الدَّمِ الْقَلِيلِ، لَكِنْ فِي الْكَثِيرِ وُضُوءٌ وَهُوَ السَّائِلُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ لِحُصُولِهَا بَعْدَ السَّيَلَانِ، وَالْمَجَازُ وَهُوَ الْقَلِيلُ لَا يَتَنَاوَلُ السَّائِلَ فَلَا يَكُونُ مُتَّصِلًا. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَطْرَ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لَا يَضُرُّنَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُنْقَطِعًا وَهُوَ ظَاهِرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ عَلِيٍّ حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً) أَيْ دَفْعَةً مِنْ الْقَيْءِ اسْتِدْلَالٌ بِالْأَثَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ فَصَارَ قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ .

وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَتَهَاتَرَانِ فَيُصَارُ إلَى الْقِيَاسِ، فَإِنْ تَعَارَضَ الْقِيَاسَانِ يَعْمَلُ الْمُجْتَهِدُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ تَعَارَضَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِهِ «قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ مِنْ قَوْلِهِ «الْقَلْسُ حَدَثٌ» وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ بِحَمْلِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ عَنْ الْكَثِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَيْءَ مِلْءَ الْفَمِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ كَانَ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ) أَيْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ جَوَابٌ لِزُفَرَ عَنْ اعْتِبَارِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ بِالْمُعْتَادِ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَخْ فَلَا نُعِيدُهُ (وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلَأُ الْفَمَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ)؛ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلِهَذَا تَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ فِي النِّكَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>