وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جِنَايَةُ الْخَطَأِ فَلِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ فَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا إِذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ، أَمَّا إِذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِهَا، إِلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِهَا فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْحَقُّ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُبَادَلَةً، بِخِلَافِ الصُّلْحِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ التَّعْيِينِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا تَعَيَّنَ.
أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ بِعِوَضٍ لَمْ يَسْقُطْ مَجَّانًا (وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جِنَايَةُ الْخَطَإِ فَلِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) ثُمَّ الصُّلْحُ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُنْضَمًّا إلَى الصُّلْحِ عَنْ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَا يَصِحُّ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَالْمُقَدَّرُ الشَّرْعِيُّ لَا يَبْطُلُ فَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إبْطَالًا لَهُ، بَلْ الْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقَابِلَهُ مَالٌ، وَلَكِنَّهُ أَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي تَقَوُّمِهِ بِالْعَقْدِ فَجَازَ بِأَيِّ مِقْدَارٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ كَالتَّسْمِيَةِ فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ مُنْضَمًّا إلَى الْعَمْدِ كَانَ كَمَا إذَا قَتَلَ عَمْدًا وَآخَرَ خَطَأً ثُمَّ صَالَحَ أَوْلِيَاءَهُمَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ دِيَتَيْنِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلِصَاحِبِ الْخَطَإِ الدِّيَةُ وَمَا بَقِيَ فَلِصَاحِبِ الْعَمْدِ، كَمَنْ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِآخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلِصَاحِبِ الْأَلْفِ الْأَلْفُ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ.
وَالثَّانِي كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنِ الدِّيَةِ بِدَيْنِ بَدَلِ الصُّلْحِ (وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ مِثْلُ أَنْ قَضَى بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ صَالَحَ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتِي بَقَرَةٍ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَيَّنَ بِالْقَضَاءِ فِي الْإِبِلِ) وَخَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِهَذَا الْفِعْلِ (فَكَانَ مَا يُعْطِي عِوَضًا عَنْ الْوَاجِبِ) فَكَانَ صَحِيحًا (بِخِلَافِ الصُّلْحِ) بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ (ابْتِدَاءً لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ التَّعْيِينِ) وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ الْمَقَادِيرِ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute