وَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ، وَيَجِبُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ حُكْمًا، وَيَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلَا حَقَّ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمَلُّكِ.
وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمِلْكُ الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتِ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ حَقِ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
مُطْلَقًا، وَفِيهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَكَذَا فِي ذِكْرِ الْخَمْرِ (وَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ تَسْمِيَةِ الْمَالِ الْمَجْهُولِ وَفَصْلِ الْخَمْرِ (لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ) فِي النِّكَاحِ (وَيَجِبُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ حُكْمًا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَهْرَ مِنْ ضَرُورَاتِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا بِالْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسَمَّى صَالِحًا صَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرًا، وَلَوْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هَاهُنَا.
وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وُجُوبُ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ عَفَا بِلَا تَسْمِيَةِ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يُسَمَّى صُلْحًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَفْوٌ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ فَصَحَّ أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ (وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَصِحُّ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ (الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَهَذَا) أَيْ الصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ (بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ حُقَّ أَنْ يُمْتَلَكَ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمَلُّكِ) فَأَخْذُ الْبَدَلِ أَخْذُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ وَذَلِكَ رِشْوَةٌ حَرَامٌ.
أَمَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَحَلِّ فِيهِ ثَابِتٌ مِنْ حَيْثُ فِعْلُ الْقِصَاصِ فَكَانَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَمَّا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ صَحِيحًا (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بَطَلَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتِ) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ احْتِرَازًا عَنْ الصُّلْحِ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّارِ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الصُّلْحَ مَعَ الشَّفِيعِ فِيهِ جَائِزٌ، وَعَنْ الصُّلْحِ عَلَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّارِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَجْهُولَةٌ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهَذَا الصُّلْحِ (وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ حَقِّ الشُّفْعَةِ) يَعْنِي إذَا كَفَلَ عَنْ نَفْسِ رَجُلٍ فَجَاءَ الْمَكْفُولُ وَصَالَحَ الْكَفِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَيَخْرُجَ الْكَفِيلُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ، غَيْرَ أَنَّ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ رِوَايَتَيْنِ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةُ تَبْطُلُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ، وَبِهِ يُفْتِي لِأَنَّ السُّقُوطَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِوَضِ، وَإِذَا سَقَطَتْ لَا تَعُودُ وَفِي الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَقَدْ تَكُونُ مُوصِلَةً إلَى الْمَالِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِذَا رَضِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute