للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِبْرَاءُ مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَسَتَخْرُجُ الْبُدَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَنْقُدْ غَدًا فَلَا صُلْحَ بَيْنَنَا (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءُ مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِلَّا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِغَرِيمٍ أَوْ كَفِيلٍ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ هُوَ التَّعْلِيقُ بِهِ فَكَيْفَ كَانَ جَائِزًا؟ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى.

أَمَّا لَفْظًا فَهُوَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا وَالتَّعْلِيقُ بِهِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ فِي التَّقْيِيدِ بِهِ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ عَلَى عَرْضِيَّةِ أَنْ يَزُولَ إنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَفِي التَّعْلِيقِ بِهِ الْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ، وَتَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ جَائِزٌ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ، وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِهِ لَا يَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْقِمَارِ الْحَرَامِ.

وَالْإِبْرَاءُ لَهُ شُبْهَةٌ بِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

فَقُلْنَا: لَا يُحْتَمَلُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ عَمَلًا بِشَبَهِ التَّمْلِيكِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَيَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ عَمَلًا بِشَبَهِ الْإِسْقَاطِ وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَرْفُ شَرْطٍ، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَرْفُ شَرْطٍ فَكَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ وَالْمُقَيَّدُ بِهِ يَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَانَ كَالْحَوَالَةِ، فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ.

وَقَوْلُهُ (وَسَتَخْرُجُ الْبُدَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ) وَعْدٌ بِالْجَوَابِ عَمَّا قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ.

وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْت لَك فِي هَذَا الْوَجْهِ ظَهَرَ لَك وَجْهَ الْوُجُوهِ الْبَاقِيَةِ.

قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي حَصْرِ الْوُجُوهِ عَلَى خَمْسَةٍ: إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ فِي تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْأَدَاءِ أَوْ لَا، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ فَلَا يَخْلُو، وَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَ مَعَهُ بَقَاءَ الْبَاقِي عَلَى الْمَدْيُونِ صَرِيحًا عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ ذَكَرَهُ فَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ لَا، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ فَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ

<<  <  ج: ص:  >  >>