للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَحَصَلَ الرَّدُّ إِلَى نَائِبِ الْمَالِكِ. قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَقَدْ عَزَلَهُ عَنِ الْحِفْظِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبٌ مَانِعٌ فَيَضْمَنُهَا، فَإِنْ عَادَ إِلَى الِاعْتِرَافِ لَمْ يَبْرَأْ عَنِ الضَّمَانِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ، إِذِ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ رَفْعٌ مِنْ جِهَتِهِ وَالْجُحُودُ فَسْخٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ كَجُحُودِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ وَجُحُودِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَتَمَّ الرَّفْعُ، أَوْ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَنْفَرِدُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُسْتَوْدِعِ كَالْوَكِيلِ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَا يَعُودُ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ فَلَمْ يُوجَدِ الرَّدُّ إِلَى نَائِبِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْخِلَافِ ثُمَّ الْعَوْدِ إِلَى الْوِفَاقِ، وَلَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْجُحُودَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعِ الطَّامِعِينَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ أَوْ طَلَبِهِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ.

قَالَ: (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةَ وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا التَّنْظِيرَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّ بَقَاءَ كَوْنِهِ أَمِينًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ اللَّازِمَ وَغَيْرَ اللَّازِمِ فِي الِانْتِقَاضِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةُ تَنْتَقِضُ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ فِي الِاسْتِئْجَارِ وَرُدَّ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْحَافِظِ فِي الْمُدَّةِ وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَبِتَرْكِ الْحِفْظِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَكُونُ بَاقِيًا لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكَذَا فِي الْحِفْظِ بِغَيْرِ بَدَلٍ.

وَقَوْلُهُ (فَحَصَلَ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُودَعَ نَائِبُ الْمَالِكِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ وَعَادَ مُودَعًا حَصَلَ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ.

وَقَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا إلَخْ) ظَاهِرٌ.

وَقَوْلُهُ (وَلَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا) كَأَنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا حَالُ وَدِيعَةِ فُلَانٍ؟ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ (لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَكَذَا لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَك؟ فَقَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ (خِلَافًا لِزُفَرَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ خِلَافَهُمَا فَحَسْبُ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ.

قِيلَ لِأَنَّ هَذَا الْفَصْلَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فَذَكَرَ كَذَلِكَ.

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْجُحُودَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْمَالِكِ أَوْ لَا كَالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعِ الطَّامِعِينَ.

قَالَ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ إلَخْ) وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ قَالُوا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ آمِنًا وَلَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَسَافَرَ بِأَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَرْكُهَا فِي أَهْلِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ، لَكِنْ قِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بَعِيدًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا.

لِأَبِي حَنِيفَةَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْآمِرَ أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ.

فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ لَكِنَّ الْمَانِعَ عَنْهُ مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ كَوْنُ الْمَفَازَةِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحِفْظِ.

أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَلِهَذَا: أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَفَازَةِ مَحَلًّا لِلْحِفْظِ يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ الْمُسَافَرَةَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، فَلَوْ كَانَ التَّلَفُ مَضْمُونًا لَمَا جَازَ لَهُمَا ذَلِكَ، قِيلَ مُسَافَرَةُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِمَالِ الصَّبِيِّ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّاسُ يُخَاطِرُونَ بِالتِّجَارَةِ لِطَمَعِ الرِّبْحِ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ حَقُّ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِرْبَاحِ فِي الْوَدِيعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>