للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَبِي حَنِيفَةَ إِطْلَاقُ الْأَمْرِ، وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَقَيَّدُ، وَالشَّافِعِيُّ يُقَيِّدُهُ بِالْحِفْظِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ وَصَارَ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ. قُلْنَا: مُؤْنَةُ الرَّدِّ تَلْزَمُهُ فِي مِلْكِهِ ضَرُورَةَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ فَلَا يُبَالِي بِهِ وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا حِفْظُهُمْ، وَمَنْ يَكُونُ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ الِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ (وَإِذَا نَهَاهُ الْمُودِعُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَدِيعَةَ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إِذِ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا.

قَالَ: (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْفَعُ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ)

فَلَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمُودَعِ صَحِيحًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَوْضِيحٌ لِلِاسْتِدْلَالِ، وَلَئِنْ كَانَ اسْتِدْلَالًا فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ نَظَرِيَّةٌ.

وَأَوْلَى وُجُوهِ النَّظَرِ رِعَايَتُهُ عَنْ مَوَاضِعِ التَّلَفِ، فَلَوْ كَانَ فِي السَّفَرِ وَهْمُ التَّلَفِ لَمَا جَازَ، وَحَيْثُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ انْتَفَى وَهْمُ التَّلَفِ.

وَلَهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَيَلْزَمُ الْمَالِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، لَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ السَّفَرَ الْقَرِيبَ عَفْوًا قِيَاسًا عَلَى الْغَبَنِ الْيَسِيرِ فِي التِّجَارَاتِ، وَالشَّافِعِيُّ يُقَيِّدُهُ بِالْحِفْظِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ وَجَعَلَهُ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِالْأَجْرِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لِيَحْفَظَ مَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ السَّفَرَ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ سَافَرَ ضَمِنَ (قَوْلُهُ قُلْنَا مُؤْنَةُ الرَّدِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَتَقْرِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُؤْنَةَ تَلْحَقُ الْمَالِكَ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُودَعِ بَلْ مِنْ حَيْثُ ضَرُورَةُ امْتِثَالِ الْمُودَعِ أَمْرَهُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ، فَهُوَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْمَالِكِ فَلَا يُبَالِي بِهِ.

وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَادَ كَوْنُ الْمُودَعِينَ وَقْتَ الْإِيدَاعِ فِي الْمِصْرِ (لَا حِفْظُهُمْ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا) وَلَا يَنْقُلُهُ إلَى الْأَمْصَارِ (بِخِلَافِ الِاسْتِحْفَاظِ بِالْأَجْرِ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ، وَإِذَا نَهَاهُ الْمَالِكُ أَنْ يَخْرُجَ الْوَدِيعَةِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، إذْ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا)

قَالَ (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً إلَخْ) إذَا تَعَدَّدَ الْمُودِعُ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهَا فِي غَيْبَةِ الْبَاقِينَ لَمْ يُجْبَرْ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَاقِي.

وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى أَنَّ الْبَاقِيَ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِيمَا قَبَضَ.

وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيَدُلَّ بِوَضْعِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>