وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ، وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِقِيَامِ مِلْكُهُ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهَذَا دَوَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَشْتَرِطُ قَبْضَ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ،
لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهَا مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا الْقَبْضُ، وَفِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالْمُخَلِّصُ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ إنْ ثَبَتَ (قَوْلُهُ وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ) أَيْ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ ضَعْفٌ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ مَدَّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ لَيْسَ بِخَطَأٍ، وَتَخْطِئَةُ مَا لَيْسَ بِخَطَأٍ خَطَأٌ (قَوْلُهُ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ) لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْهَا إنْ كَانَ الثَّوَابُ فَقَدْ حَصَلَ، وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ لَمْ يَحْصُلْ (فَإِذَا تَرَدَّدَ) لَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ (وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ) قَبْلَهُ (لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهَذَا دَوَامٌ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ تَعَدِّي، وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ) وَخَالَفَ زُفَرَ فِي الرُّجُوعِ بِالتَّرَاضِي وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَادَ إلَيْهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ كَانَ فَسْخًا وَإِذَا كَانَ بِالرِّضَا فَهُوَ كَالْبَيْعِ الْمُبْتَدَإِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّرَاضِيَ عَلَى سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ أَوْ عَلَى رَفْعِ سَبَبٍ لَازِمٍ يَجْعَلُ الْعَقْدَ ابْتِدَائِيًّا، وَهَاهُنَا تَرَاضَيَا عَلَى رَفْعِ سَبَبٍ غَيْرِ لَازِمٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ مِلْكًا مُبْتَدَأً بَلْ يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ (حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ) كَمَا إذَا وَهَبَ الدَّارَ ثُمَّ رَجَعَ فِي نِصْفِهَا، وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَمَا صَحَّ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَصِحَّتُهُ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الْعَقْدِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَالشُّيُوعُ طَارِئٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِيهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ) هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَطْلُوبِ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزُ الْفَسْخِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الرُّجُوعِ، وَمَا هُوَ جَائِزُ الْفَسْخِ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِيفَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّضَا وَالْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا يَفْعَلَانِ بِالتَّرَاضِي مَا يَفْعَلُ الْقَاضِي وَهُوَ الْفَسْخُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِيَشْمَلَ التَّرَاضِيَ وَالْقَضَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute