قَالَ: (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ) وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْعِوَضِ الْآخَرِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ كُلُّ الْعِوَضِ وَلَمْ يَسْلَمْ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ.
قَالَ (وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا) رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوِّضْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّ النِّصْفَ.
قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ)؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ،
لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ مَا لَمْ يَضْمَنْ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعَ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) قَاسَ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابَلٌ بِالْآخَرِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ أَحَدِهِمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يُقَابِلُهُ (وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ) وَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْبَقَاءِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ فِي الِابْتِدَاءِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْبَقَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، إذْ بِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ مِنْ الِابْتِدَاءِ إلَّا هُوَ.
وَعُورِضَ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عِوَضٌ وَأَجْزَاءُ الْعِوَضِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ، فَإِذَا كَانَ الْكُلُّ فِي الِابْتِدَاءِ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ كَانَ النِّصْفُ فِي مُقَابَلَةِ النِّصْفِ فَكَانَ عِوَضًا عَنْ النِّصْفِ ابْتِدَاءً.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُبَادَلَاتِ تَحْقِيقًا لَهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْهِبَةِ مَعَ سَلَامَةِ جُزْءٍ مِنْ الْعِوَضِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا لِأَنَّهَا تَتِمُّ مُبَادَلَةً فَيُوَزَّعُ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ أَنَّ الْمُعَوَّضَ يَمْلِكُ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَوْهُوبِ قَطْعًا فَاعْتَبَرَ الْمُقَابَلَةَ وَالِانْقِسَامَ، وَأَمَّا الْوَاهِبُ فَيَمْلِكُ الْهِبَةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ، ثُمَّ أَخْذُ الْعِوَضِ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ حَقِّ الرُّجُوعِ وَالْعِلَّةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ إلَّا أَنَّ الْوَاهِبَ (يَتَخَيَّرُ) بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَيَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ (لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا رَجَعَ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوَّضْ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّ النِّصْفَ) غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الشُّيُوعُ لَكِنَّهُ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّ، كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي النِّصْفِ بِلَا عِوَضٍ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْكُلِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَجَزُّؤُ الْإِسْقَاطِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ فَيَجُوزُ التَّجَزُّؤُ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا إلَخْ) لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. قِيلَ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ضَعِيفًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْفَسْخُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ لِيَتَقَوَّى بِهَا كَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لَمَّا ضَعُفَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute