الْأَرْضُ عَظِيمَةً يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهَا. قَالَ: (فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي)؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِقَدْرِ الْمَانِعِ (وَإِنْ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا)؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّهَا فَكَذَا فِي نِصْفِهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَ (وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا»؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ (وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ أَبَانَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ فَلَا رُجُوعَ.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تُؤَدِّي مَعْنًى وَاحِدًا (وَإِنْ عَوَّضَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُتَبَرِّعًا فَقَبَضَ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ بَطَلَ الرُّجُوعُ)؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ:
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ) بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْعِوَضِ عَنْ الْهِبَةِ لِيَقَعَ الْمَدْفُوعُ إلَى الْوَاهِبِ عِوَضًا يَبْطُلُ بِهِ الرُّجُوعُ، وَأَمَّا إذَا وَهَبَ مِنْ الْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضُ هِبَتِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعِوَضِ أَنْ يُسَاوِيَ الْمَوْهُوبَ بَلْ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ الْجِنْسُ وَخِلَافُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الرِّبَا، وَلَا أَنْ يَنْحَصِرَ الْعِوَضُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، بَلْ لَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا صَحَّ (وَإِذَا قَبَضَهُ الْوَاهِبُ بَطَلَ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ) لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ دَارًا وَالْعِوَضُ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ الْمَوْهُوبُ أَلْفًا وَالْعِوَضُ دِرْهَمٌ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ قَصْدَ الْوَاهِبِ مِنْ هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْتَحَقَ ذَلِكَ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَبِالْقَلِيلِ مِنْ مَالِهِ يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ فَكَذَا بِهَذَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ قَبْلَ الْعِوَضِ صَحِيحٌ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ فَلَمْ يَلْتَحِقْ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ فِي قَوْلِهِ مُتَبَرِّعًا فَائِدَةٌ أَوْ ذَكَرَهُ اتِّفَاقًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْأُولَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَمَّا بَطَلَ بِتَعْوِيضِ الْمُتَبَرِّعِ كَانَ بِتَعْوِيضِ الْمَأْمُورِ بِذَلِكَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ، لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُعَوِّضِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَتَعْوِيضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ عَوَّضَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي بُطْلَانِ حَقِّ الرُّجُوعِ، فَكَذَلِكَ إذَا عُوِّضَ بِأَمْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا عُوِّضَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَرِيحًا.
أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَلِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ أَمْرًا بِالتَّبَرُّعِ بِمَالِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute