للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ)؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ. قَالَ (أَوْ تَخْرُجُ الْهِبَةُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَلَا يَنْقُضُهُ، وَلِأَنَّهُ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ.

قَالَ: (فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى بَيْتًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ آرِيًّا وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَقَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا؛ لِأَنَّ الدُّكَّانَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا حَقِيرًا لَا يُعَدُّ زِيَادَةً أَصْلًا، وَقَدْ تَكُونُ

بِالْفَرْقِ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ دُونَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ بِالْعَكْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ فِي الْمُنْفَصِلَةِ إمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا، أَوْ عَلَى الْأَصْلِ وَحْدَهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً بِالرَّدِّ أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا وَالْفَسْخُ يَرِدُ عَلَى مَوْرِدِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا يَتْبَعُ الْأُمَّ لَا مَحَالَةَ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ تَبْقَى الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَجَّانًا وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَجَّانًا لَمْ تُفْضِ إلَى الرِّبَا، وَأَمَّا فِي الْمُتَّصِلَةِ فَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ مِمَّنْ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ فِيهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِرِضَاهُ فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مَانِعَةً عَنْهُ، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِرِضَا ذَلِكَ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَتْ مَانِعَةً (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَ الرُّجُوعُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَدْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ الْهِبَةُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَلِأَنَّهُ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ) وَهُوَ التَّمْلِيكُ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ، وَفِي تَبَدُّلِ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَذَا فِي تَبَدُّلِ السَّبَبِ.

قَالَ (فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَخْ) هَذَا نَوْعٌ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ. وَالْآرِي هُوَ الْمَعْلَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَعِنْدَ الْعَرَبِ الْآرِي: الْأَخِيَّةُ، وَهِيَ عُرْوَةُ حَبْلٍ تُشَدُّ إلَيْهَا الدَّابَّةُ فِي مَحْبِسِهَا، فَاعُولٌ مِنْ تَأَرَّى بِالْمَكَانِ: إذَا أَقَامَ فِيهِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا) وَالْوَاوُ لِلْحَالِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ لِعِظَمِ الْمَكَانِ بَعْدَ زِيَادَةٍ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي غَيْرِهَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>