للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ (وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ، لِلسُّكْنَى وَالْأَرْضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَلِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَسَى،

تَصْلُحُ ثَمَنًا أَصْلًا (قَوْلُهُ فَهَذَا اللَّفْظُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ إلَخْ (لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّةَ غَيْرِهِ) كَمَا ذَكَرْنَا (لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ) فَيَعْتَمِدُ وُجُودَ الْمَالِ وَالْأَعْيَانُ وَالْمَنَافِعُ أَمْوَالٌ فَجَازَ أَنْ تَقَعَ أُجْرَةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الثَّمَنُ عِوَضٌ مَالِيٌّ إلَخْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الثَّمَنَ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَالنُّقُودِ وَالْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةِ الَّتِي تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ.

قَالَ (وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فِي الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا تَكُونُ بِهِ مَعْلُومَةً، فَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَكَائِنَةً مَا كَانَتْ، لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ مِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا فَتَصِحُّ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَفَاوِتَةٍ بِأَنْ سَمَّى مَا يَزْرَعُ فِيهَا. فَإِنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ، فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ الْمُفْسِدِ لِلْعَقْدِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَوِيلِ الْمُدَّةِ وَقَصِيرِهَا عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَعِيشُ إلَيْهَا الْعَاقِدَانِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي جَوَّزَتْ الْإِجَارَةَ لَهَا قَدْ تَمَسُّ إلَى ذَلِكَ، وَهِيَ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ صَحِيحَةً كَالْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْبَقَاءِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالظَّنُّ مِثْلُ التَّيَقُّنِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَصَارَتْ الْإِجَارَةُ مُؤَبَّدَةً مَعْنًى وَالتَّأْبِيدُ يُبْطِلُهَا. وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ بِصِيغَةِ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>