وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَهِلَّةِ)؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ يُصَارُ إلَيْهَا ضَرُورَةً، وَالضَّرُورَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا. وَلَهُ أَنَّهُ مَتَى تَمَّ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ ابْتَدَأَ الثَّانِيَ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ) أَمَّا الْحَمَّامُ فَلِتَعَارُفِ النَّاسِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْجَهَالَةُ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: ﵊ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ الْأُجْرَةَ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَيَقَعُ جَائِزًا.
بِأَنْ يَقُولَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَثَلًا (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ سَوَاءٌ) لِذِكْرِ الشَّهْرِ مَنْكُورًا وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَعْتَقِبُ السَّبَبَ (كَمَا فِي الْأَيْمَانِ) كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ أَنْ يَقْصِدَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصِحَّتَهُ بِذَلِكَ لِتَعَيُّنِهِ بِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا) حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ الشَّهْرُ الَّذِي يَتَعَقَّبُ نَذْرُهُ مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ، لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ (لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّوْمِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعَزِيمَةٍ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَا يَقْتَرِنُ ذَلِكَ بِالسَّبَبِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ يُبْصَرُ (فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا بِالْأَهِلَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ) فِي الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ، فَمَهْمَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ مُمْكِنًا لَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْأَيَّامِ وَالْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ) فَيَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ وَشَهْرٌ بِالْأَيَّامِ يُكْمِلُ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ (لِأَنَّ الْأَيَّامَ يُصَارُ إلَيْهَا ضَرُورَةً وَالضَّرُورَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا) فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَمَامَ الْأَوَّلِ وَاجِبٌ ضَرُورَةَ تَسْمِيَتِهِ شَهْرًا، وَتَمَامُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِ الثَّانِي، فَإِذَا تَمَّ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ ابْتَدَأَ الثَّانِي بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذِهِ حَوَالَةٌ غَيْرُ رَائِجَةٍ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّ الْأَشْهُرَ كُلَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ بِالْأَيَّامِ وَعِنْدَهُمَا الْبَاقِي بَعْدَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ بِالْأَشْهُرِ لَمْ يَمُرَّ فِي الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِالْأَهِلَّةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَاتِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ إلَخْ) اسْتِئْجَارُ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ وَأَخْذُ أُجْرَتِهِمَا جَائِزٌ، أَمَّا الْحَمَّامُ فَلِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute