قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ ﵊ «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» وَالْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَلَا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ وَالْحَجِّ، وَكَذَا الْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ. وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊
وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِلْجَهَالَةِ وَلَكِنَّهُ تُرِكَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ﷺ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ الْأُجْرَةَ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ بِلَا مَانِعٍ مَعْلُومٍ فَيَقَعُ جَائِزًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزًا لِأَنَّ لِبَعْضِ النَّاسِ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ غَلَّةَ الْحَمَّامِ آخِذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ ﷺ «الْحَمَّامُ شَرُّ بَيْتٍ» وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ فَكَرِهَ اتِّخَاذَ الْحَمَّامِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ نُهِينَ عَنْ الْبُرُوزِ وَأُمِرْنَ بِالْقَرَارِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ أُجْرَةَ الْحَجَّامِ، وَكَرِهَ كَسْبَهُ عُثْمَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ﵄ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ» وَالصَّحِيحُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى الِاغْتِسَالِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ تَمَكُّنَ الرِّجَالِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ». وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ أَنْ يَدْخُلَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ التَّسَتُّرِ فَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي غَلَّتِهِ كَمَا لَا كَرَاهَةَ فِي غَلَّةِ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ. وَالنَّهْيُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ قَدْ انْتَسَخَ بِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ «فَآتَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إنَّ لِي نَاضِحًا وَحَجَّامًا أَفَأَعْلِفُ نَاضِحِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنَّ لِي عِيَالًا وَحَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» فَالرُّخْصَةُ بَعْدَ النَّهْيِ دَلِيلُ انْتِسَاخِ الْحُرْمَةِ
(وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ الْفَحْلِ) أَيْ ضِرَابِهِ (وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ) وَخَرَجَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِجَوَازِهِ وَجْهًا، وَهُوَ أَنَّهُ انْتِفَاعٌ مُبَاحٌ وَلِهَذَا جَازَ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ فَكَانَ جَائِزًا كَاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ لِلْإِرْضَاعِ، قُلْنَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ ﷺ «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَمُرَادُهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ)،
(وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ وَالْحَجِّ) وَكَلَامُهُ فِيهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ) إشَارَةً إلَى الِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَعَيَّنَ الشَّخْصُ لِلْإِمَامَةِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute