للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ) عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُفْسَخُ إلَّا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ، إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ عِنْدَنَا (وَهُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَدَّادًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ لِوَجَعٍ بِهِ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ)؛ لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَيْهِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ، وَكَذَا مَنْ أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا إلَّا بِثَمَنِ مَا أَجَّرَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدُّيُونِ)؛ لِأَنَّ فِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى عَدَمِ مَالٍ آخَرَ.

ثُمَّ قَوْلُهُ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي

الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ، فَإِذَا فَاتَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ فِيمَا بَقِيَ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَلِكَ يُثْبِتُ حَقَّ الْفَسْخِ. قُلْنَا: الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ. بَيَانُ فَرْعٍ آخَرَ لَنَا لَا اسْتِشْهَادًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ قَائِلًا بِهِ.

قَالَ (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ عِنْدَنَا) تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ عِنْدَنَا (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا تُفْسَخُ إلَّا بِالْعَيْبِ) بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِرَارًا (لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا) فَكَانَتْ كَالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَا يُفْسَخُ بِالْعُذْرِ فَكَذَا الْإِجَارَةُ (وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسَخُ بِهِ) كَالْبَيْعِ (إذْ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِلْفَسْخِ يَجْمَعُ الْإِجَارَةَ وَالْبَيْعَ جَمِيعًا، وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الْجَامِعُ (عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ عِنْدَنَا) وَالشَّافِعِيُّ مَحْجُوجٌ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُقْلِعَ ضِرْسَهُ لِوَجَعٍ ثُمَّ زَالَ الْوَجَعُ، أَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَتَّخِذَ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ فَمَاتَتْ الْعَرُوسُ، أَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْطَعَ يَدَهُ لِأَكَلَةٍ وَقَعَتْ بِهَا ثُمَّ بَرَأَتْ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ وَاِتِّخَاذِ الْوَلِيمَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَيْهَا إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَكَذَا الْبَاقِي. ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الْحَاكِمِ. قَالَ (ثُمَّ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ (فَسْخُ الْقَاضِي) إشَارَةٌ إلَى الِافْتِقَارِ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>