للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَتَنْتَظِمُ بِذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ.

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ)

وَإِنْ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ الْعَامِلُ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالطَّحَاوِيُّ مَالَ إلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ وَقَالَ: الْقِيَاسُ عِنْدِي أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَهِيَ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ، لِأَنَّ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا وَأَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ لِحَذَاقَتِهِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا لِلتَّعَامُلِ بِهَا قَالَ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» فَإِنْ قِيلَ: شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا اشْتَرَكَا فِي الْحَاصِلِ مِنْ الْأَجْرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ تَقْتَضِي إثْبَاتَ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ فَثَبَتَ فِيهِ اقْتِضَاءً، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ ذِكْرًا، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ فَأَمْكَنَنَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ اقْتِضَاءً فَكَأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّقَبُّلِ صَرِيحًا، وَلَوْ صَرَّحَا بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ ثُمَّ تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ جَازَ فَكَذَا هَذَا. هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ أَنْسَبُ بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا كَانَتْ شَرِكَةً لَا إجَارَةً لَمْ تَضُرَّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يُحَصِّلْ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>