ذَلِكَ فَيَرْجِعُونَ.
قَالَ (مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا) فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ﵀. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى
عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونَ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا لِيَثْبُتَ النَّسَبُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ أُسْنِدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا، وَمَنْ عَتَقَ مَقْصُودًا لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الْمُتَيَقَّنِ بِوُجُودِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ. وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَالْحُكْمُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ، فَفِي الْبَائِنِ مِثْلُ مَا كَانَ، وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ لِتَيَقُّنِنَا بِمُرَاجَعَتِهِ. وَذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ الْعَقْلِ وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ.
قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ إلَخْ) تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ مِنْ الْعَجَمِ لَمْ يُعْتِقْهُ أَحَدُ مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمْوَالُهُمْ لَهُمْ لَا لِذَوِي أَرْحَامِهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ هَذَا الْوَلَدُ عَمَّةً أَوْ خَالَةً لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَيْءٌ فِي وُجُودِ مُعْتِقِ الْأُمِّ وَعَصَبَتِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا لَهُ بَيْنَ ذَوِي أَرْحَامِهِ، كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مُعْتَقَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْآبَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْأَبُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعَبْدَ هَالِكٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ فَصَارَ حَالُ هَذَا الْوَلَدِ فِي الْحُكْمِ حَالَ مَنْ لَا أَبَ لَهُ فَيُنْسَبُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْعَتَاقَةِ وَيَعْتَبِرُونَهَا فِي الْكَفَاءَةِ، فَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْحُرِّيَّةِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهَا، وَالنَّسَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَجَمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ وَكَانَ تَفَاخُرُهُمْ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا حَتَّى جَعَلُوا مَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِمَارَةِ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي ذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute