للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالنَّسَبِ، وَالْقَوِيُّ لَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرِيبًا لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ وَالْعَقْلِ، كَمَا أَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ.

قَالَ : الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ وَالْوَضْعُ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا

(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: نَبَطِيٌّ كَافِرٌ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةٍ كَافِرَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّبَطِيُّ وَوَالَى رَجُلًا ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: مَوَالِيهِمْ مَوَالِي أُمِّهِمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَوَالِيهمْ مَوَالِي أَبِيهِمْ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَصَارَ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوَالِي وَبَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ أَضْعَفُ حَتَّى يَقْبَلَ الْفَسْخَ، وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُهُ، وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مُعْتَقَيْنِ فَالنِّسْبَةُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا، وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِهِ لِشَبَهِهِ بِالنَّسَبِ أَوْ لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِ أَكْثَرُ.

قَالَ (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) «لِقَوْلِهِ لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ»

قَالَ الْمُصَنِّفُ (الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمُعْتَقَةَ مُطْلَقًا، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ كَانَ كَذَلِكَ، فَكَانَ وَضْعُ الْقُدُورِيِّ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ اتِّفَاقِيًّا.

وَذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَيَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمُعْتَقَةَ مُطْلَقًا وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوَالِي) يَعْنِي الْعَجَمَ، فَإِنَّ الْعَجَمِيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَإِنَّهَا تُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِمْ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفَةٌ.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ) أَيْ الْوَالِدَانِ (مُعْتَقَيْنَ) رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْخِلَافِ: يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ وَالَى رَجُلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَالِدَانِ مُعْتَقَيْنَ (فَ) قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ (النَّسَبَ) إلَى قَوْمِ الْأَبِ لِاسْتِوَائِهِمَا وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِهِ لِشَبَهِهِ (بِالنَّسَبِ) قَالَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَفِي حَقِيقَةِ النَّسَبِ يُضَافُ الْوَلَدُ إلَى الْأَبِ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِ: أَيْ بِالْأَبِ أَكْثَرُ.

قَالَ (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ) التَّعْصِيبُ هُوَ جَعْلُ الْإِنْسَانِ عَصَبَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الذَّكَرُ يُعَصِّبُ الْأُنْثَى (وَهُوَ) أَيْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ (أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ لِقَوْلِهِ لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ «هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ») قَوْلُهُ هُوَ أَخُوك: يَعْنِي فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ إنْ شَكَرَك: يَعْنِي إنْ شَكَرَك بِالْمُجَازَاةِ عَلَى صَنِيعِك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ لِأَنَّهُ انْتَدَبَ إلَى مَا نُدِبَ إلَيْهِ، وَشَرٌّ لَك لِأَنَّهُ أَوْصَلَ إلَيْك بَعْضَ الثَّوَابِ فِي الدُّنْيَا فَتَنْقُصُ بِقَدْرِهِ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك لِأَنَّهُ يَبْقَى لَك ثَوَابُ الْعَمَلِ كُلُّهُ فِي الْآخِرَةِ، وَشَرٌّ لَهُ لِأَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ. وَقَوْلُهُ كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ يَدُلُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>