بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ، وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالَبُ بِهِ فِيهَا، وَكَذَا الْيَمِينُ، وَالظِّهَارُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا الْفَسْخَ، وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ مُكْرَهًا عَلَى الْخُلْعِ دُونَهَا لَزِمَهَا الْبَدَلُ لِرِضَاهَا بِالِالْتِزَامِ.
الْفَاسِدِ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَعْدَمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ بِهِ الِاخْتِيَارُ فَصَارَ كَأَنَّهُ شَرْطًا شُرِطَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ. وَأَمَّا أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَهُوَ بِالتَّوْكِيلِ أَسْقَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ كَانَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ نَافِذًا (وَيَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِمَا عَزَمَ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَقَعَ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَمْ يَقَعْ بِهَا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يَفْعَلُ وَقَدْ لَا يَفْعَلُ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ، كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَ فُلَانًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ زَوَالُ مِلْكِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَا فَعَلَهُ وَسِيلَةً إلَى الْإِزَالَةِ فَيَضْمَنُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إكْرَاهٌ (قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ) بَيَانٌ لِمَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَمَا لَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ مِنْ حَيْثُ مَنْعُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفَوِّتُ الرِّضَا وَفَوَاتُ الرِّضَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ، فَالْإِكْرَاهُ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَقُّقِ، فَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ فَيَصِحُّ النَّذْرُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً لَزِمَهُ ذَلِكَ
(وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالَبُ بِهِ غَيْرُهُ فِيهَا، وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ) فَحَلَفَ انْعَقَدَتْ (أَوْ عَلَى ظِهَارٍ) فَظَاهِرٌ صَحَّ (وَكَذَا عَلَى رَجْعَةٍ) فَفَعَلَ صَحَّ (أَوْ عَلَى إيلَاءٍ فَآلَى أَوْ عَلَى فَيْءٍ إلَيْهَا بِاللِّسَانِ) فَفَعَلَ صَحَّ (لِأَنَّهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ وَالْإِيلَاءَ وَالْفَيْءَ (تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) وَمَا صَحَّ مَعَ الْهَزْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إعْتَاقِ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَوْ الظِّهَارِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ عَنْهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَذَلِكَ مِنْهُ حِسْبَةٌ لَا إتْلَافٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ عَيَّنَ عَبْدًا لِذَلِكَ فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ تَرَكَ الَّتِي آلَى مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى بَانَتْ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الصَّدَاقِ، وَإِنْ قَرِبَهَا وَكَفَّرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ أَتَى بِضِدِّ مَا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُخَالِعَ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ صَحَّ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِلَا بَدَلٍ فَكَذَا بِبَدَلٍ أَوْ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَالْيَمِينِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ (فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْخُلْعِ دُونَهَا لَزِمَهَا الْبَدَلُ لِرِضَاهَا بِالِالْتِزَامِ) بِإِزَاءِ مَا سَلِمَ لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute